الدولة السا مية – تقديم المؤلف

تقديم المؤلف

« المؤمن بين خمسة شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يضله، ونفس تنازعه »(1)

ووفق ما حدده الحديث السابق ذكره، فإن لي نصيب من كل شدة على حدا من تلك الشدائد الخمس في عمري الذي عشته. والثلاثة الأولى منها تحديداً دفعتني للكفاح من أجل توضيح حقيقة الشرق الكبير – إبداع على سبيل إظهار الشكر الإلهي.

فحينما يأتي الأسد إلى المجلس فإن الأرنب وابن أوى والكلب تصيبهم الرجفة على حد سواء، لذا فالكل يرى من زاويته الخاصة أننا لسنا نلهو في هذا الأمر، لا فكراً ولا فعلاً. ولسنا من النمط الطفولي الذي يبيع البلاهة تحت مسمي التسامح… وكذلك نحن على النقيض من الرجل الواهن، الذي يسوف مرحلة الفكر والعمل لدعوة الإسلام، ويرجعها إلى المستقبل البعيد، ويهرب دائما من المحنة والمجازفة، إننا أناس أقاموا معنى المثالية واقعاً ملموساً في الميدان… فإن أعيننا ترنو إلى التجديد الإسلامي الكبير… الدولة السامية.

ويجب علينا في هذا العصر أن نولد من جديد بوحدة في الروح والفكر في النظام الجديد، بكل أنفسنا وكل ضعفنا وقوتنا، ومحاسبين أنفسنا في كل مراحل التاريخ، فاهمين عارفين ووازنين كل مؤثرات وعلل الاختلاج… التشنج السياسي والاجتماعي… وكيف سيكون العالم، وكيف سنكون نحن؟

وحقنا الذي يحل مكانا في الفضاء إلى أي رأي عالمي سنسنده؟ وأيا من بضاعتنا الخاصة سندفعها إلى السوق المشتركة المعنوية؟ وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، فنظام الليبرالية القديمة والديمقراطية يروجان تحت مسمى النظام العالمي الجديد كنظام بلا منافس، وفي الطليعة كل من أمريكا وصاحبتها أوروبا عندما تسعى  أن تحكم حكماً مطلقاً.

«دع دناءة طاعة الكافرين» أبي يعلمها.. وهل يكفي فقط أن يقال: «الإسلام» مجرداً ؟!!.. لا يكفي البتة.

نقول: «الإسلام»، ولكن بشرط إظهاره . كيف؟ ولماذا؟ وإن المثال الأعلى هو التلهف والاشتياق والخيال والخطة التي تدل عليه… فكر يريد أن يرى نقشه على الأشياء والحوادث … وإن كان الأيديولوجي هو العقل فيكون المثال الأعلى هو القلب، ولا يكون الطلب والنزوة وفضول حب الاستطلاع والمعاملة التي تستند على فكر ضئيل وخامل وكسول مثالاً أعلى.          

وإن الشيء الذي يراد له أن يكون مثالاً أعلى فيجب عليه أن يضع عينه على الحوادث والتوصل السامي في خطة المجتمع مطلقاً… كل مثال أعلى غاية ولكن ليست كل غاية مثالاً أعلى. فالغايات يمكن إسقاطها أما المثل العليا لا تسقط… وبناء على مجموع الحكم المذكورة فنحن العقل والقلب معا، ونحن نبين في النظام الكلي عملية إظهار نقش دعوة الإسلام على الأشياء والحوادث مع «كيف؟» و لماذا؟»…

في الدنيا نحن نموذج فريد … نحن الشرق الكبير-الإبداع… وفي هذا الإطار أقدم تأليفي: الدولة السامية والنظام العالمي الجديد…

وفي الحقيقة إن بحث الدولة السامية هو العمود الأساسي الذي يجمع غاية معالجة المنظمة الإيديولوجية للشرق الكبير وموضوعاته كلها… وهذا يعني بالذات المنظمة الإيديولوجية … ومع الأسف ضاعت في موضوعات المعالجات وحولها، فغابت في المباحث الجانبية، كضياع الأشياء وسط بريق المجتمع، وبقيت نائمة.

فأنا أتناول البحث وأخلص المعلوم من المجهول، وحقيقة فأنا استعمل البحث كشكل تفجير القنبلة المصنوعة للتفجير في ساحة المجتمع. ولعل ذلك يثبت نظرية جديدة بالكامل في سير الأحداث، ويحدد أهداف وأوصاف الكفاح الإسلامي…

ومن الديمقراطية والليبرالية إلى منظمة الأمم المتحدة والسوق الأوربية المشتركة في خطة الفكر والمؤسسات، فإن النظام العالمي الجديد يبدو نظام هيمنة، وهو مجموعة متشكلة بعضها مع بعض، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا-ولو كانوا في أجواء المنافسة ينافس بعضهم بعضاً – فصلنا لنا ولأمثالنا من الأوطان منزلة «باريا» مشتركة…

نقول: لا البتة!..

بل بأوطاننا نبدأ بنظامنا العالمي الجديد الذي اقترحناه! . .

 

(1)  ورد هذا الحديث من طريقين: الطريق الأولى: أخرجها الديلمي في «الفردوس» كما أشار المناوي في «فيض القدير» (292/5 رقم 7352) من حديث أبي هريرة بلفظ:  (للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله، وكافر يقاتله). الطريق الثانية: أخرجها أبو بكر بن لآل في «مكارم الأخلاق» كما أشار العراقي في «المعني عن حمل الأسفار» (63/3) من حديث أنس، بلفظ: (المؤمن بين خمسة شدائد : مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يضله، ونفس تازعه.)

 

منشأ: الدولة السامية (النظام العالمي الجديد)، صالح ميرزابك أغلو، نشريات إبداع، إسطنبول، ٢٠١٣، الصحفة ١٩,٢٠,٢١,٢٢

ترجمة: محمد بن حسين بن شبلي العبادي

 

الترتيب: نور زيندبون

Discover more